
-د.ابراهيم محرم
الولي عبد من خواص عباد الله تعالى أعطاه الله اسم من أسمائه وهو الولي كما قال تعالى ( فالله هو الولي ) كما أضافه إلى حضرته مع اسم الله الأعظم الجامع لأوصاف الجلال والجمال والكمال وهم الذين يتحققون علما وعملا فذلكم قول الله تعالى (الذين ءامنوا وكانوا يتقون ) فآمنوا إشارة إلى كمال حال القوة النظرية ويتقون إشارة إلى كمال حال القوة العملية على ما قاله الفخر الرازي ومن هنا أستنبط أن الأولياء أرجح الناس عقولا وأقواهم روحا وقلبا حتى يتم التأثير الروحاني والفيض الإيماني والجمال العرفاني والكمال الإيقاني كما أرى في الآية انتفاء الادعاء وأن على كل سالك طريق الله تعالى التأدب بأدابه لصحة القيام بشرف الخدمة وبهذا قال المتكلمون وذووا العرفان المتحققون قالوا ولي الله من يكون آتيا بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل ويكون آتيا بالأعمال الصالحة على وفق ما وردت به الشريعة والفرق بين علماء الكلام وشهود العرفان أن علماء الكلام تحدثوا عما ينبغي فعله وأهل العرفان أشاروا إلى ما يكون حاله ويذكر الله عند رؤية الولي لما يشاهد عليه من تجليات الجمال والجلال فتستذكر به أمور الآخرة من عذاب ونعيم فتكون حالهم أدل على الله تعالى شاحذة للهمم فيستجلبون لطاعة الله همم الخلق وقد تنوعت بشارتهم كما ورد في أقوال أهل العلم وهم لكل الأقوال جديرون وبشتى الأحوال متحققون وأما قوله تعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ففيه أقوال.

الأول: المراد منهالرؤيا الصالحة، عن النبي ﷺ : أنه قال: «البشرى هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له» رواه الترمذي وله شاهد عند مسلم وعنهعليه الصلاة والسلام: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات» وعنه عليه الصلاة والسلام:وعنه ﷺ : «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) قلت ويفيد نجم الدين النسفي أنها جزء من ستة وأربعين جزءا لأن مدة الوحي ثلاث وعشرون سنة وكان في ستة أشهر منها يؤمر بالإنذار وستة أشهر من ثلاث وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءاقال ابن مسعود، الرؤيا ثلاثة: الهم يهم به الرجل من النهار فيراه في الليل، وحضور الشيطان، والرؤياهي الرؤيا الصادقة وعن إبراهيم: الرؤيا ثلاثة، فالمبشرة من الله جزء من سبعين جزءا من النبوةوالشيء يهم به أحدكم بالنهار فلعله يراه بالليل والتخويف من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يحزنه فليعمل بقوله صلى الله عليه وسلم ( «الرؤيا الصالحةمن الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليتعوذ منه وليبصق عن شماله ثلاثمرات فإنه لا يضره»)واعلم أنا إذا حملنا قوله: لهم البشري، على الرؤيا الصادقة فظاهر هذا النص يقتضيألا تحصل هذه الحالة إلا لهم والعقل أيضا يدل عليه، وذلك لأن ولي الله هو الذي يكون مستغرق القلبوالروح يذكر الله، ومن كان كذلك فهو عند النوم لا يبقى في روحه إلا معرفة الله، ومن المعلوم أن معرفة الله ونور جلال الله لا يفيده إلا الحق والصدق، وأما من كان متوزع الفكر على أحوال هذاالعالم الكدر المظلم، فإنه إذا نام يبقى كذلك، فلا حرم لا اعتماد على رؤياه، فلهذا السبب قال: لهمالبشري في الحياة الدنيا على سبيل الحصر والتخصيص.
القول الثاني: في تفسير البشري، أنها عبارة عن محبة الناس له وعن ذكرهم إياه بالثناء الحسن عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله إن الرجل يعمل العمل للله ويحبه الناس، فقال: «تلك عاجل بشریالمؤمن)رواه مسلم وابن ماجة واعلم أن المباحث العقلية تقوي هذا المعنى، وذلك أن الكمال محبوب لذاته لا لغيره، وكل منفاز بصفة من صفات الكمال، صار محبوبا لكل أحد، ولا كمال للعبد أعلى وأشرف من كونه مستغرق القلب بمعرفة الله، مستغرق اللسان بذكر الله، مستغرق الجوارح والأعضاء بعبودية الله، فإذاعرض عليه أمر من هذا الباب، صارت الألسنة جارية بمدحه، والقلوب مجبولة على حبه، وكلما كانتهذه الصفات الشريفة أكثر، كانت هذه المحبة أقوى، وأيضا فنور معرفة الله مخدوم بالذات، ففي أيقلب حضر صار ذلك الإنسان مخدوما بالطبع ألا ترى أن البهائم والسباع قد تكون أقوى من الإنسان،في إنها إذا شاهدت الإنسان هابته وفرت منه وما ذاك إلا لمهابة النفس الناطقة .والقول الثالث: في تفسير البشرى أنها عبارة عن حصول البشري لهم عند الموت قال تعالى:(تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة» وأما البشري فيالآخرة فسلام الملائكة عليهم كما قال تعالى: «والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام علیکم » وسلام الله عليهم كما قال: «سلام قولا من رب رحيم» ويندرج فيهذا الباب ما ذكره الله في هذا الكتاب الكريم من بياض وجوههم وإعطاء الصحائف بأيمانهم وما يلقون فيها من الأحوال السارة فكل ذلك من المبشرات .
والقول الرابع: إن ذلك عبارة عما بشر الله عباده المتقين في كتابه وعلى ألسنة أنبيائه من جنتهوكريم ثوابه. ودليله قوله: «يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان» وذلك على ما قاله الفخر الرازي وغيرهوأرى غاية كمل الأولياء شهود الحق سبحانه واشتياقهم له سبحانه دنيا وأخرى من شراب وصل قوله سبحانه (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)إذ هي الزيادة المعنية في قوله سبحانه (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) وذلك بلا كيف ولا انحصار بحيث يخلق الله في العبد قدرة تتحمل ما يسمح له به من شهود الوجه الأقدساللهم جملنا بجمال وجهك وحققنا بدعاء وصلك بجاه جدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.