
بقلم د.إبراهيم محرم
عرض ابن عربي في كتابه «فصوص الحكم» لكثير ،من النظريات الفلسفية ولكنه لكي يكون في مأمن من مهاجمة المتعصبين قد مزج بتاريخ كل نبي من الأنبياء الذين تناول الكتابة عنهم في هذا السفر شيئا من هذه النظريات؛ ليضعها تحت حماية ذلك النبي علي نحو ما يعبر أحد المستشرقين، فمـن ذلـك مثلا نظرية صدور الـعـالـم الـتي مزجها بتاريخ آدم، فقرر أنـه قـد وقع فيضان: الأول: هـو الـذي عـنه وجدت المادة المستعدة لتقبل الصور، ثم أعدها لقبول الحياة الإلهية والثاني هو الذي أنتج الوجودات الشخصية بإظهار الكائنات التي أريدت بهذا الإعداد. وعـن الفـيض الأول نتجت الجواهر المعينة أوالكليات واستعداداتها المحددة لها في العلم الإلهي، وعـن الثاني نتج التحقق الخارجي لهذه الأشياء ونتائجها المرادة منها وعنده أن هذا الفيض هو الحدث الذي به ينتج الفضل الإلهي الوجود في كـل جـوهر يستقبل الكائن دون أن يحصل انفصال بين الصورة المدركة في علم الله والإله نفسه، كما تستقبل المرآة صورة الإنسان دون أن ينفصل من هذا الإنسان وجهه المنعكس على -المرآة رادل فصدور الخلق عند ابن عربي هو شبيه بانعكاس المعلومات الإلهية على مرآة، وآدم هو عنده رمـز لـروح العالم، أو هـو لـمعـان هـذه المرآة؛ إذ إن الله أوجد العالم قبل آدم! ولكنه كان وجـودا غير حقيقي، أي: إنه كان ظلا محضا، أو وجودا ماديا لا روح فيه ولا حياة كوجـود الحمأ الذي صنع منه جسم آدم قبل نفخ الروح فيه، فلما وجد آدم ظهـر الوجـود الحقيقي للـعـالـم، ومـن هـذا يبين أن آدم هـو الـمبـدأ النـوراني اللطيف الذي أتم به الإله الوجود ومنحه به حقيقته، كما يبين أيضا أن غاية الإله من إيجاد العالم هي أن يرى فيـه جـوهره الخاص. وآدم هـو المبدأ الروحاني الذي به تحققت هذه الرؤية، فكان بالنسبة إلى الإله كالإنسان للعين (1) من هذا يتضح جيدا أن ابـن عـربـي كـان يـؤمن بوحدة الوجود وإن كان قد أنفق في سبيل حجبهـا عـن الجماهير مجهـودا عظيما دفعه إليـه حرصـه عـلـى الحيـاة بعـدما أفزعتـه ذكـريـات الحـلاج، ويحيـى السهروردي. غير أنه لم يصعب على الخاصة من القدماء، ولا على الباحثين مـن المحدثين أن يستشـفـوا هـذه الوحديـة في كثيـر مـن عباراتـه العلميـة وقصائده الأدبية، فمن ذلك مثلا قوله في كتاب «الفتوحات» ما يأتي ومعلوم ثان هو الحقيقة الكلية التي هي للحق وللعالم، لا تتصـف بالوجود ولا بالعلوم، ولا بالحدوث ولا بالقـدم؛ إذ هي في القـديـم إذا وصـف بـهـا قديمـة، وفي المحـدث إذا وصـف بهـا مـحدثـة، فـلا تـعلـم المعلومات ـ قديمها وحديثها ـ حتى تعلم هذه الحقيقة، ولا توجد هذه الحقيقة حتى توجد الأشياء الموصوفة بها فإن وجد شيء من غيـر عـدم متقدم كوجود الحق وصفاته، قيل فيها: موجـود قـديـم؛ لاتصـاف الحق بها، وإن وجـد شـيء عـن عـدم كوجـود مـا سـوى الله ـ تعالى ـ، وهـو المحـدث الموجـود بغيـره قـيـل فيهـا: محدثـة، وهي في كـل مـوجـود بحقيقتها، فإنها لا تقبل التجزؤ، فما فيها كل ولا بعض، ولا يتوصل إلى معرفتها مجردة عن الصورة بدليل ولا برهان، ومن هذه الحقيقة وجد العالم بوساطة الحـق تعالى، ولـم تـكـن بموجـودة فيكـون الـحـق قـد أوجدنا من موجود قديم يثبـت لنـا القـدم، وكذلك لتعلم أيضا أن هـذه الحقيقة لا تتصف بالتقدم على العالم ولا بالتأخر عنه، ولكنهـا أصـل الموجـودات عموما، وهـي أصـل الـجـوهر وفلـك الحيـاة والحـق المخلوق به وغير ذلك، وهي الفلك المحيط المعقول، فإن قلت: إنها العالم صدقت، أو إنها ليست العالم صـدقت، أو إنهـا الحـق أو ليست الحق صدقت، تقبل هـذا كـلـه، وتتعدد بتعدد أشخاص العالم، وتتنزه بتنزيه الحق، وإن أردت مثالها حتى تقرب إلى فهمك فانظر في العودية في الخشبة والكرسي والمحبرة والمنبر والتابوت، وكذلك التربيـع وأمثالـه مـن الأشكال في كـل مربـع مـثـلا مـن: تابوت وبيـت وورقة، فالتربيع والعودية يحققانها في كل شخص من هذه الأشخاص؛ وكذلك الألوان كبياض الثوب والجوهر والكاغد والدهان والدقيق، من غير أن تتصف البياضية المعقولة بالانقسام حتى يقال: إن بياض الثوب جزء منها، بل حقيقتهـا ظهرت في الثـوب كما ظهرت في الكاغد، وكذلك العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر وجميع الأسماء كلها). وقوله في نهاية «الفصوص»: قال الله – سبحانه ـ في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي أي: لا أظهر له إلا في صورة معتقده؛ فإن شاء أطلق، وإن شاء قيد، فإلـه المعتقدات تأخذه الحدود، فهـو الإله الذي وسعه قلـب عبـده، فإن الإله المطلق لا يسعه شيء؛ لأنه عين الأشياء وعين نفسه، والشيء لا يقـال فـيـه يسع نفسه ولا يسعها . وقال في «الفتوحات»: «بدء الخلق الهباء، وأول موجـود فـيـه الحقيقة المحمدية الرحمانية الموصوفة بالاستواء على العرش الرحماني وهو العرش الإلهي؛ ولا أيـن يحصرها؛ لعدم التحيز. ومـم وجـد؟ وجـد مـن الحقيقة المعلومة التي لا تتصف بالوجود ولا بالعدم، وفيم وجد؟ في الهباء، وعلى أي مثال وجـد؟ على المثال القائم بنفس الحق المعبر عنه بالعلم به. ولـم وجـد؟ لإظهار الحقائق الإلهية. وما غايته؟ التخلص من المزجة فيعرف كـل عـالم حظه مـن منشـئـه مـن غيـر امتزاج، فغايتـه إظهـار حقائقه، ومعرفة أفلاك العالم الأكبر، وهـو مـا عـدا الإنسان، والـعـالـم الأصغر، يعني: الإنسان، روح العالم، وعلته، وسببه، وأفلاكه، ومقاماته، وحركاته، وتفضيل طبقاتـه. فكما أن الإنسان عالم صغير من طريق الجسم، كذلك هـو أيضـا إلـه حقير مـن طـريـق الـحـدوث، وصـح لـه التأله؛ لأنه خليفة الله في العالم، والعالم مسخر له مألوه، كما أن الإنسان مألوه الله (1)(۱)ومن شواهد قوله بوحدة الوجود غير الذي تقدم قوله:فلـولاه ولولانـا.. لمـا كـان الـذي كانافإنـا أعبـد حقـا.. وإن الله مولانــاوإنـا عـينـه فـاعلم .. إذا مـا قلـت إنسـانافلا تحجب بإنسان. فقد أعطاك برهانافكن حقا وكن خلقا. تكن بالله رحماناوغذّ خلقه منه. تكن روحا وريحانافأعطيناه ما يبدو. به فينا وأعطانافصار الأمر مقسوما. بإياه وإياناومما سبق يتبين تفريق الإمام محيي الدين بين المخلوق والخالق من حيث الإيجاد والإعدام 2- صدور الأمر الإلهي بكن في عالم الغيب ثم كونه في اللوح المحفوظ ثم يأذن الله تعالى له بالظهور 3-المخلوقات كالمرآة تتجلى فيها الصفات الإلهية من رحمانية وقيومية وغيرهما 4-إن هناك واحدية ووحدانية وأحدية فالواحدية واحدية التصرف قال تعالى (إنما قولنا لشيئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) والوحدانية إنفراد المعبود بالعبادة ذاتا وصفاتا وأفعالا والأحدية عدم تركيب الذات الإلهية من أجزاء قال تعالى (قل هو الله أحد)5-ما قاله الإمام الغزالي في مشكاة الأنوار إن العارفين يدركون الله تعالى إدراكا تاما غير إدراك المحجوبين قلت ولما يفنى العبد عن نفسه وروحه وتعمل فيه الصفات يرقى إلى مشاهدة الذات بلا كم ولا كيف قال البيجوري في تحفة المريد ومنه أن ينظر بالأبصار لكن بلا كيف ولا انحصار وأهل السنة يرون وقوع رؤية الله للولي مناما بلا كيف ولا انحصار ويشهد لذلك أحاديث منها حديث الملأ الأعلى في قوله صلى الله عليه وسلم فوضع يديه على صدره وكلتا يديه يمين وكان ذلك مناما كما جاء في تفسير ابن كثير لسورة ص عند قول الله جل وعز(ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون) رضي الله عن الشيخ الأكبر وعنا به بالدارين
